يُنظر إلى المصادر الدينية بشكل عام بوصفها هى التى وضعت الأساس الفكرى أو النظرى لحقوق الإنسان ، ولسنا بحاجة إلى التأكيد على حقيقة أن من بين القيم العليا أو المبادئ الحاكمة فى الأديان السماوية الثلاثة : اليهودية والمسيحية والإسلام المبدأ القاضى بوجوب احترام حقوق الأفراد جميعاً دون أية تفرقة بينهم لأى اعتبار كان ([1]).
ويؤكد الكثير من الباحثين على أن ما جاء فى الإسلام من مبادئ رئيسية وقيم أساسية وأهداف سامية نبيلة فى مجال حقوق الإنسان يمثل ثورة اجتماعية لا مثيل لها فى تاريخ البشرية ، حيث احتل فيها الإنسان وحقوقه مكان الصدارة وأن الشريعة الإسلامية لديها الكثير مما تستطيع أن تسهم به فى إثراء الفكر الوضعى المرتبط بحقوق الإنسان ، فمن أهم صور حقوق الإنسان فى الإسلام ، حق الحياة ، الحرية ، المساواة ، والعدالة ، الحرية الشخصية ، حرية العقيدة، والحق فى الخصوصية ، وحماية الإنسان من التعذيب ([2]).
والغريب أننا عندما نتحدث عن التراكم التاريخى لنضال الشعوب من أجل حقوق الإنسان ، جرت العادة أن نذكر "الماجنا كارتا" ووثيقة إعلان الاستقلال الأمريكى ، وإعلان حقوق الإنسان للثورة الفرنسية ...... الخ ، ونغفل تماماً عن ذكر تراثنا الإسلامى فى مجال حقوق الإنسان ، فقد ساهمت أمتنا فى تأسيس وثيقة حقوقية مهمة هى "حلف الفضول" الذى تأسس فى أواخر القرن السادس الميلادى فى دار أحد وجهاء مكة عبد الله بن جدعان ، فقد اجتمع عدد من فضلاء مكة وتعاهدوا على ألا يتركوا فى مكة مظلوماً إلا وكانوا معه على ظالمه حتى ترد مظلمته ، وقد حظى هذا الحلف بمباركة الرسول e الذى قال عنه { لو دعيت لمثله فى الإسلام لأجبت } ، وربما يكون هذا الحلف هو أول جمعية لحقوق الإنسان عرفت على وجه الأرض، كما وضعت أمتنا عند تأسيسها أول مجتمع إسلامى فى المدينة المنورة وثيقة أخرى بالغة الأهمية هى "صحيفة المدينة" التى أكدت حقوق غير المسلمين وحق المواطنة ([3]).
ويؤكد الإسلام على وجوب احترام حقوق الإنسان بصفته فرداً يعيش فى كنف الدولة الإسلامية ، وأن هذا الموقف الثابت قد تحدد من خلال النظر إلى هذه الحقوق من جوانب رئيسية ثلاثة هى ([4]):
الجانب الأول : النظر إلى الإنسان بصفته فرداً يتمتع بمكانة خاصة يتقدم بها على الكثير من خلق الله تعالى ، ومن هنا فقد استحق الإنسان التكريم من الخالق جل وعلا ، وتؤكد الكثير من الآيات القرآنية هذا المعنى .
أما الجانب الثانى : فيتمثل فى علاقة الفرد بالدولة أو الجماعة السياسية التى يعيش فى كنفها ، والملاحظ هنا أن الشريعة الإسلامية قد أسست هذه العلاقة على مبادئ حاكمة كمبدأ الحرية والعدالة والتضامن ومؤدى ذلك أن الجماعة مسئولة بالتضامن عن كفالة مجمل الحقوق والحريات التى يلزم توافرها لأى فرد يمارس حياته فى إطارها بشكل طبيعى.
أما الجانب الثالث : فيختص بوضع الفرد غير المسلم ، فقد كفل الإسلام لغير المسلمين الحقوق ذاتها التى كفلها للمسلمين .
والواقع أن قضية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من الموضوعات الجوهرية فى الشريعة الإسلامية والتى تميزت بمجموعة من الأمور فى مجال حقوق الإنسان من أبرزها ([5]):
- أن إقرار الشريعة الإسلامية لهذه الحقوق لم يكن خوفاً من ثورة شعبية أو نتيجة لتفتح وعى الناس وقيامهم بمظاهرات للمطالبة بها أو نتيجة للتطور الاجتماعى والاقتصادى لمجتمع من المجتمعات البشرية إنما شرعتها ابتداء بنصوص آمرة لتكون منحة إلهية تبرز كرامة الإنسان الذى خصه الله تعالى بالتكريم وحمل الأمانة .
- أن الشريعة الإسلامية لم تخضع تشريع حقوق الإنسان ولا الاعتراف بها لرغبة إحدى سلطات الدولة أو لإرادة أشخاص معينين .
- أن الشريعة الإسلامية لم تكتف بتقرير حقوق الإنسان ولا بالتدليل على فائدتها وأهميتها بل اعتبرت انتهاكها والاعتداء عليها جريمة تستوجب عقوبة.
- أنها منحت الإنسان حقوقاً باعتبار إنسانيته فى كل طور من أطوار حياته ووجوده .
- أنها رفعت لواء المبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان مثل مبدأ المساواة والعدل والشورى فى الحكم وضمان التمتع بالحريات العامة .
وقد اعترف الإسلام للأجانب والمواطنين بمركز قانونى منظم يقوم على أحكام تفصيلية ودعا إلى التسامح مع غير المسلمين وإلى وجوب احترام عقائدهم وعاداتهم وحقوقهم، ولقد قامت علاقة المسلمين الدولية مع من خالفهم فى الدين على عدة حقائق هى : المعاملة بالمثل ، العدالة ، الوفاء بالعهد ، الأخلاق ونصرة الضعفاء ([6]).
ويمكن القول أيضاً أن الإسلام - بمفهومه الشامل – كان أول نظام شرعى وقانونى يُرسى قواعد حقوق الإنسان ، ويحافظ على تطبيقها وتحقيقها فى إطار أخلاقى شرعى إذ أن الأخلاق بما لها من أثر نفسى على الناس ، تمثل التطبيق السليم والصحيح للشريعة الإسلامية من قبل الأفراد ([7]).
وقد جعل الإسلام إبداء الرأى تجاه القضايا والموضوعات المختلفة شرط الانتساب لعضوية المجتمع المسلم ، وفى رحاب الإسلام يمكن رصد عديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى تعنى بحرية الرأى ، وبتوفير الضمانات التى تتيح للأفراد والجماعات أن يعبروا عن آرائهم فى صراحة ووضوح ، كما يمكن رصد عديد من النماذج العملية والممارسات الحياتية التى تترجم على أرض الواقع مفاهيم الإسلام فى هذا المجال ([8]).
ومن المظاهر الدالة على اهتمام الإسلام بحرية الرأى ما يلى ([9]):
أ – تهيئة المناخ الملائم للتعبير عن الرأى ، ويتمثل ذلك فى تحرير العقل من سيطرة الخوف من الآثار المترتبة على إعلان الرأى ، وتشجيع الفرد على تقديم رأيه والجهر به ، تحرير الرأى من سيطرة الآخرين عليه ، المساعدة على تكوين الرأى السليم من خلال تقديم المعلومات الصحيحة .
ب – كفالة حق إبداء الرأى لكل الأفراد والجماعات .
جـ - احترام الرأى الآخر .
د – حق الجمهور فى نقد السلطة وممارستها .
هـ - حق الأفراد والجماعات والمسئولين فى تصحيح المعلومات .
و تأتى آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التى تكرم الإنسان وترفع قدره وتصون حقوقه([10]).
([1]) أحمد الرشيدى ، مرجع سابق ، ص 72.
([2]) أحمد وهدان ، حقوق الإنسان بين الفكر الوضعى والشريعة الإسلامية ، بحث مقدم إلى ندوة العالم الإسلامى فى إطار المتغيرات الدولية ، ( القاهرة : المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ، 1997 ) ، ص0ص 59-65 .
([3]) محمد فائق ، حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية ، مرجع سابق ، ص 12.
([4]) أحمد الرشيدى ، حقوق الإنسان فى القوانين والتشريعات الدولية ، مرجع سابق ، ص0ص 72-73 .
([5])هانى سليمان الطعيمات ، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، مرجع سابق ، ص0ص 54-57 .
([6]) أحمد منيسى ، حقوق الإنسان ، مرجع سابق ، ص0ص 33-35.
([7]) إبراهيم عبد الله المرزوقى ، حقوق الإنسان فى الإسلام ، ترجمة محمد حسين مرسى ، ( أبو ظبى : المجمع الثقافى ، 1997 ) ، ص 505
([8]) محمود يوسف ، أخلاقيات ممارسة حرية الرأى عبر وسائل الإعلام من منظور إسلامى ، مرجع سابق ، ص 363 .
([9]) المرجع السابق ، ص 363 – 373 .
([10]) الشافعى محمد بشير ، مرجع سابق ، ص0ص 44-45.