حقوق الإنسان تأصيل مفاهيمي

مفهوم حقوق الانسان ..

ينتمى مفهوم حقوق الإنسان بطبيعته للعلوم الاجتماعية وهى العلوم المتصلة بالقيم السياسية والأخلاقية ، وهذه القيم بطبيعتها نسبية ومتغيرة فما يعتبره مجتمع قيمة سياسية وأخلاقية لا ينظر إليه مجتمع آخر بنفس النظرة وما يعطيه مجتمع ما أولوية فى سلم اهتماماته يأتى متأخراً فى سلم اهتمامات مجتمع آخر، فكل مجتمع يفسر مفاهيم مثل الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة بطريقته الخاصة . ([1])

               وعلى ذلك فإن رؤى حقوق الإنسان ليست معقدة فقط ولكنها غالباً ما تكون عميقة ومقلقة والسبب فى ذلك هو أنها تميل إلى أن تجعلنا نواجه موضوعات صعبة ومزعجة ، إنها تدفعنا إلى أن نفحص فحصاً ناقداً طبيعة الرجال والنساء وأن ندرس معنى أن نكون بشراً وأن ننظر إلى كل من الأفضل والأسوأ فى سلوك الإنسان. ([2])

               والواقع أن مفهوم حقوق الإنسان شهد الآن اتساعاً ملحوظاً ، إذ لم يعد فحص البعد السياسى فحسب بل يشمل كذلك أبعاداً اقتصادية واجتماعية وتربوية وثقافية ، عاكساً بذلك التطورات التى مر بها العالم خلال العقود الأخيرة ، وأصبحت حينئذ حقوق الإنسان فى عصرنا هذا متعددة الأبعاد ، فهى قبل كل شئ سياسية لكونها تقوم أولاً وبالذات على الحقوق المدنية والسياسية أى على ضمان الأمن والطمأنينة للإنسان وكذلك الحريات الأساسية أى حرية العقيدة والرأى والتعبير والتجمع ([3]).

               وقد وضع الباحثون تعريفات مختلفة ومتنوعة لحقوق الإنسان وذلك وفقاً لرؤاهم وتخصصاتهم .

               فنجد مثلاً بعض الباحثين الفرنسيين يروا أن حقوق الإنسان هى ببساطة الحق فى بلوغ السيرورة التى تتيح للكائن أن يصبح إنساناً. ([4])

بينما يرى أنك لندين Ank Linden (1996) أن حقوق الإنسان هى الحقوق التى يتمتع بها كل شخص ويقوم بحمايتها ، وهى تعنى أيضاً الكرامة التى لا يمكن التخلى عنها وهى أيضاً تركيب اجتماعى متحرك ، وهى بالتالى عرضه للجدال والتغيير . ([1])

               ويعرِّفها محمد فائق ([2]) بأنها احترام كرامة الإنسان وإعلاء قيمته وهى مجموعة من المبادئ والقيم ترجع فكرتها إلى بدء الخليقة ، دعت إليها جميع الأديان السماوية .

               بينما يرى أحمد الرشيدى ([3]) أنها مجموعة الاحتياجات أو المطالب التى يلزم توافرها بالنسبة إلى عموم الأفراد دون أى تمييز بينهم لاعتبارات الجنس أو النوع أو اللون أو العقيدة السياسية أو الأصل الوطنى أو لأى اعتبار آخر .

               ويعرِّفها مصطفى كامل السيد ([4]) بأنها ممكنات أو قدرات تسخرها الإرادة لبلوغ غاية معينة مادية أو معنوية وهى نابعة من طبيعة الإنسان فلا يكون له وجود بدون استخدامها ولا يتمتع بأى كرامة إلا فى ظل صيانتها .

               ويعتبر رينيه كاسان – وهو أحد الذين ساهموا فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وصاحب فكرة إنشاء معهد دولى لحقوق الإنسان فى ستراسبورج بفرنسا – من أوائل المفكرين الذين حاولوا صياغة تعريف محدد لمفهوم حقوق الإنسان حيث يعرِّف هذه الحقوق بأنها " فرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس ، استناداً إلى كرامة الإنسان وبتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنسانى ، وهى بالتالى تشمل عدة عناصر أساسية هى :

  • حقوق الإنسان بمثابة علم .
  • أساس هذا العلم هو الكرامة الإنسانية .
  • موضوع هذه العلم هو الحقوق التى تحقق هذه الكرامة ([5]).

بينما يعرِّفها يو. أو. يوموزوريكى U.O.Umozurike ([6]) بأنها "مطالب" تساندها باستمرار الأخلاقيات والتى يجب أن يساندها القانون تجاه المجتمع وخاصة تجاه الحكام الرسميين ، من جانب

 


([1])  Ank Linden , communication and human rights : Achallenge we can not refuse , media development journal , issue 4 , 1996 , p. 1.

available at :www.wacc.org.uk, 16-2-2003 .

([2]) محمد فائق ، حقوق الإنسان والتنمية ، مجلة المستقبل العربى ، العدد 251 يناير سنة 2000 ، ص 99 .

([3]) أحمد الرشيدى ، حقوق الإنسان فى القوانين والتشريعات الدولية ، بحث منشور فى موسوعة أحداث على القرن العشرين ، (القاهرة : دار المستقبل العربى ، 2000) ص 63.

([4]) مصطفى كامل السيد ، حقوق الإنسان فى المجتمع الدولى ، قضايا نظرية ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 96، يناير 1989 ، ص 71 .

([5]) أحمد منيسى ، حقوق الإنسان ، ( القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، 2002 ) ، ص 13 .

([6]) يو.أو. يوموزوريكى ، حقوق الإنسان والتنمية ، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية ، اليونسكو ، العدد 158 ، ديسمبر 1998 ، ص 111 .

 


([1]) محمد نعمان جلال ، مصر العروبة والإسلام وحقوق الإنسان ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999) ص0ص 23 – 24 .

([2]) بول جوردون لورين ، نشأة وتطور حقوق الإنسان الدولية ، مرجع سابق ، ص0ص 19-20 .

([3])على بن حسين المحجوبى ، حقوق الإنسان بين النظرية والواقع ، مجلة عالم الفكر، العدد 4 ، المجلد 31 ، إبريل / يونيو 2003 ، تصدر عن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت ، ص 26 .

([4]) روبير شارفان وجان جاك سويير ، حقوق الإنسان والحريات الشخصية ، مرجع سابق ، ص 33 .

الأفراد أو الجماعات على أساس إنسانيتهم ، وهى تطبق بغض النظر عن الجنس أو اللون أو النوع أو أى خصائص أخرى ، ولا يمكن الرجوع فيها أو إنكارها من جانب الحكومات أو الناس أو الأفراد ، وهى بالتالى ليست مجرد مسائل مقصورة على فئة قليلة للتأمل ولا هى آمال مكتوبة لدى المضطهدين ، أو خطب رنانة يطلقها البلغاء ، إنما هى اللغة المشتركة لكل من الأقوياء والفقراء عزيزة على كل إنسان ، إنها عالمية ويجب أن يتمتع بها كل الآدميين فى كل مكان .

ويؤكد عدد آخر من الباحثين على شمولية حقوق الإنسان حيث يروا إنها تلك الحقوق غير القابلة للتجزئة أو المساس بها والتى تجب للإنسان لكونه إنساناً وتهدف لتحقيق كرامة كل إنسان ، فضلاً عن أنها تشكل التزاماً قانونياً سواء على المستوى الوطنى أو الدولى ([1]).

ويشير عبد الرازق محمد الدليمى ([2]) إلى أن حقوق الإنسان كانت ولا تزال نسبية فى معناها وصدورها ، متأثرة بالتيارات الفكرية والظروف الزمانية والمكانية ولذلك فهى تخصب بالأخلاق وتضارب الآراء وتباين النظريات وأنظمة الحكم .

               ويرى أحمد حافظ نجم أنها " حرية عامة وأنها هى الحقوق المعترف بها والتى تعتبر أساسية عند مستوى حضارى معين مما يجعل من الضرورى حمايتها حماية قانونية خاصة تكفلها الدولة لها وتضمن عدم التعرض لها وتبين وسائل حمايتها ([3]).

               بينما يرى ماهر عبد الهادى بأنها " مجموعة الحقوق الأساسية التى لا يستغنى عنها الإنسان فى حياته والتى تكفل الدولة الاعتراف بها وتنظيمها وحمايتها أو هى القدرة على عمل شئ أو الامتناع عن عمله ([4]).

               ويمكن تعريفها أيضاً بأنها "تلك الحقوق المتأصلة فى طبيعة البشر والتى تكفل تنمية واستثمار ما نتمتع به من صفات البشر من ذكاء ومواهب وضمير من أجل تلبية حاجاتنا الروحية وغير الروحية وهى تستند إلى التطلع المستمر للإنسان على حياة تتسم بالاحترام والكرامة ([5]).

               ومن خلال ما سبق عرضه من تعريفات يمكن استخلاص بعض السمات لحقوق الإنسان ، وذلك على النحو التالى :

  • أن هدف حقوق الإنسان هو تحقيق الكرامة الإنسانية لكل البشر .
  • أن المجتمع الدولى ارتضى مجموعة من الحقوق ووافقت عليها دول العالم ويظهر ذلك فى المواثيق والمعاهدات الدولية مثل الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان .
  • أن هذه الحقوق مترابطة وغير قابلة للتجزئة .

 


([1]) مصطفى عبد الغفار ، ضمانات حقوق الإنسان على المستوى الإقليمى ، (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، 2003) ، ص 14 .

([2]) عبد الرازق محمد الدليمى ، إشكاليات الاتصال والإعلام فى العالم الثالث ، الطبعة الأولى ، ( عمان : مكتبة الرائد العلمية ، 2004 ) ، ص 62 .

([3]) أحمد حافظ نجم ، حقوق الإنسان بين القرآن والإعلان ، ( القاهرة : دار الفكر العربى ، 1986) ، ص 13 .

([4]) ماهر عبدالهادى ، حقوق الإنسان ، ( القاهرة : بدون ناشر ، 1984 ) ، ص 27 .

([5]) ليلى حسين محمد السيد ، حق الطفل فى الاتصال كما تعكسه برامج الأطفال فى التليفزيون المصرى ، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوى السابع بكلية الإعلام ، الجزء الأول ، ( القاهرة : كلية الإعلام ، 2001 ) ص22.

            نقلاً عن :

-Garig. G.l., Human development , ( London : Printice – Hall & Englewood cliffs k 1992 ) , p.97 .

 

نبذة عن حقوق الإنسان

حقوق الإنسان هي الضوابط والمعايير والحاجات الأساسية التي لا يمكن للبشر العيش طبيعية كريمة بدونها, وتعتبر حقوق الإنسان أساس العدالة, والأمان على وجه الأرض...

المزيد

تصويت

ما رأيك في موقع الأجهزة المعنية بحقوق الإنسان في وزارات الداخلية العربية
ممتاز
جيد جداً
جيد